ألا تلاحظون أنَّ ترامب قد مضت عليه أسابيع طويلة لم يتحدث خلالها مطلقًا عن إيران، بعدما كان لا يكفّ عن الهذيان بشأنها بشكل شبه يومي؟
السبب في ذلك أنّه يعيش حالة من الخجل والإحباط بعد أن تبيّن له أنّ قادته العسكريين قد خدعوه بشأن حجم الضربات التي وجهها لإيران وتأثيرها الحقيقي عليها. الأمر الذي دفعه في لحظة غضب إلى طردهم وإقالتهم هذا الأسبوع.
لقد شعر ترامب أن إيران قد حققت انتصارًا عليه بينما بدا هو عاجزًا أمامها؛ فالعراق، بدعم إيراني مباشر، أجبره على الانسحاب من أهم قاعدة عسكرية له هناك، وهي قاعدة عين الأسد، على أن يكتمل الانسحاب خلال شهرين. وفي الوقت ذاته أبرم العراق اتفاقية أمنية مع إيران، وهي خطوة وُصفت بأنها "ضربة معلم"، إذ ضمنت لإيران بقاء الحشد الشعبي، كما كفلت لها عدم استخدام الأجواء العراقية في أي هجوم يستهدفها. والجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني كان يعتمد على هذه الأجواء في ضرباته السابقة ضد إيران، ومع تراجع الوجود الأمريكي التدريجي ستفقد واشنطن أهم جبهة عسكرية لضرب طهران.
الهزيمة الأخرى التي ألحقتها إيران بالولايات المتحدة وأذرعها في المنطقة ظهرت بوضوح في لبنان؛ فزيارة واحدة قام بها علي لاريجاني قلبت المعادلة هناك، وأثبتت بقاء سلاح حزب الله، لتجد أمريكا نفسها عاجزة عن تنفيذ أي خطة لنزع هذا السلاح أو تحجيمه.
ومن المؤكد أن إيران بعد الحرب لم تعد كما كانت قبلها؛ فقد تمكنت من إخفاء 400 كيلوجرام من اليورانيوم، وطردت المفتشين الدوليين، وأزالت الكاميرات عن منشآتها النووية. كما نجحت في القضاء على الاختراقات الأمنية الداخلية، حيث دمّرت الشبكات العاملة لصالح الموساد، وتخلصت من مصانع المسيرات والصواريخ التي كانت تخترقها هذه الخلايا. فوق ذلك أجرت مناورة عسكرية كبرى أظهرت فيها قوة ردع أرعبت واشنطن.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تدفقت على إيران كميات هائلة من الأسلحة من حلفائها: كوريا الشمالية، الصين، باكستان، وروسيا. وقد شكّل هذا المشهد صدمة للصهاينة وحلفائهم من العرب، خاصة بعدما رأوا الشعب الإيراني يتحول من حالة المعارضة الداخلية إلى حالة وحدة وطنية والتفاف جماهيري كامل حول الثورة، فلم تخرج حتى مظاهرة واحدة ضدها، بل وقف الجميع صفًا واحدًا في مواجهة أمريكا والصهاينة.
هذه التطورات المتسارعة وضعت أمريكا وحلفاءها في المنطقة في حالة من الذعر، حتى اضطرت واشنطن لأن تطلب من حلفائها العرب إغراء مصر بالمليارات والدعم مقابل تخفيف اندفاعها نحو بناء علاقات أوثق مع إيران والصين.
إن ما تحتاجه إيران اليوم هو جبهة آمنة لتمهيد دخول قواتها البرية بعد أن تُنهي دكّ الكيان الصهيوني وتدميره. ومع ذلك تخشى طهران أن تستغل تركيا أي فراغ في المنطقة لتدخل من بوابة سوريا وتحصد الغنائم باردًا سلامًا، كما فعلت سابقًا في الملف السوري، محولةً القضية الفلسطينية إلى ورقة في الحلف الغربي.
إن السنتين القادمتين ستكونان حاسمتين لإيران وأمريكا والكيان الصهيوني وتركيا على حد سواء. وبقاء اليمن على هذه القوة واستمراره في النفوذ سيمنح المنطقة قوة ردع هائلة، تحمي مقاومة لبنان والعراق من أي قوة قد تفكر في مواجهتهم.
أما العرب – للأسف – فما زالوا في موقع "المفعول بهم"، لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المخططات الكبرى، بانتظار الفائز ليقدّموا له الولاء والسمع والطاعة.
#اليمن
#غزةتبادوتحرق